ترجمة خاصة- بالغراف
تحت غطاء الحرب على قطاع غزة ارتفعت وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية سواء من قبل الجيش أو من قبل المستوطنين ضد سكان التجمعات الرعوية بشكل خاص في منطقة الأغوار وفي منطقة جنوب جبل الخليل.
تقارير منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية أشارت لتهجير جزئي أو كلي لعشرات التجمعات الرعوية تحت غطاء الحرب، ومن ضمن تلك السياسات منعهم من الوصول لمصادر المياه وللمراعي، ما يمس مصدر رزقهم ونمط حياتهم مما قد يدفعهم للهجرة من تلك المناطق.
ما حدث مع مربي المواشي والراعي زاهي بن منّة من منطقة عقربا والذي كان يعيش لتربية مواشيه في منطقة الأغوار، حالته تشكل صورة مصغرة عن المضايقات للتجمعات الرعوية من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.
في هذا الإطار كتب الصحفيان الإسرائيليان في هآرتس العبرية جدعون ليفي وألكس لبيك: قبل أسبوعين حمل زاهي بن منّة على سيارة الدفع الرباعي ما تبقى من قطيع أغنامه، من ثم حبس نفسه في شقته، وأرسل قطيعه للحظيرة، وذلك بعد أن تم تهجير عائلته من مكان لمكان، وفقدت القدرة على الوصول للمياه والمراعي، وقد استسلم بن منّة بعد أن سرق له المستوطنين 47 رأس من قطيع أغنامه، والشرطة الإسرائيلية لم تقم بأي شيء.
وتابع الصحفيان الإسرائيليان: ما تبقى من قطيع الأغنام يعيش الآن في مكان مظلم محاط بالقضبان الحديدية، وهو عبارة عن مستودع ملحق بالمنزل تم تحويله إلى حظيرة، الحظيرة الحضرية في قرية عقربا تحولت لبديل عن المراعي المفتوحة التي كبر فيها قطيع الأغنام في منطقة غور الأردن، حالياً تعيش الأغنام في المخزن المظلم، وتأكل من الأعلاف الثمينة التي تأتي له بأكياس، وغير قادرة على الخروج للمراعي لتأكل.
بعد عام ونصف من التنقل من مكان لمكان في غور الأردن، وفي أعقاب تعرضه للصراخ والعنف من الجنود والمستوطنين بما فيها الاعتداء بالضرب والسرقة من القطيع، قرر راعي الأغنام زاهي بن منّة التخلي عن أراضي المراعي التابعة لقرية عقربا الموجودة على سفوح منطقة الأغوار لصالح المستوطنين.
تهديدات المستوطنين والجيش له دفعت به لتحميل ما تبقى من قطيع أغنامه على مركبة الدفع الرباعي وغادر بها إلى عقربا، في أعقاب قيام المستوطنين بسرقة 47 رأس من قطيع أغنامه، وتجاهل الشرطة الإسرائيلية الأمر ولم تفعل شيء، الآن وبعد عشرات السنوات بن منّة استسلم بشكل نهائي، تنازل عن رعي القطيع، وعن كل عالمه ومصدر رزقه، وعن الحياة في الطبيعة، الآن هو وعائلته وقطيعه مغلق عليهم في منزل وحظيرة.
وعن دور الجيش الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية كتب الصحفيان الإسرائيليان: بالمساعدة الفاضحة من الجيش الإسرائيلي، وتقاعس الشرطة الإسرائيلية، المستوطنون العنيفون انتصروا في هذه الأرض المهملة في منطقة الأغوار، والتي يعتبرها المستوطنون والجيش أرض ترانسفير.
إلى جانب تهجير الرعاة من أرضهم، وتحقيق المستوطنون البلطجية والعنيفين انتصار مثير للاشمئزاز، المستوطن البشوع يارد الذي فرضت عليه وعلى زوجته الإدارة الأمريكية عقوبات، كتب بعد استسلام وتهجير عائلة بن منّة:” لا مستقبل في فلسطين، بؤرة استيطانية عربية أخرى في غور الأردن، والتي مولت على يد السلطة الفلسطينية حزمت امتعتها ورحلت من المنطقة بعد توسع الاستيطان اليهودي في المنطقة، فقط هكذا، إما نحن أم هم”.
ويصف الصحفيان الإسرائيليات المنزل الذي انتقل اليه راعي الأغنام زاهي بن منّة في عقربا: في صالون واسع مزخرف في الطابق الثاني من المبنى، يجلس زاهي بن منّة كسمكة خارج بركة الماء، ولازال يرتدي زي الأغوار والصحراء، جئنا لبيته مع باحثة منظمة بتسيلم سلمى الدبعي، والتي تعد تقريراً عن تهجير العائلة مع الباحث عبد الكريم السعدي، بن منّة أب لتسعة أبناء غالبيتهم متزوجين، الصغير بهم يدرس في الصف الأول.
قصة تهجير العائلة من مكان لآخر، هي قصة تهجير عرقي لمنطقة الأغوار، والذي ينفذ قبل كل شيء على الشرائح الضعيفة وهي تجمعات الرعاة، ليس فقط مصدر رزقهم يدمر، لابل ونمط الحياة الذي يعيشونه مئات السنين.
وتابع الصحفيان الإسرائيليان وصف حياة التجمعات الرعوية: منذ سنوات ال 80 يعيش بن منّة وعائلته وقطيع أغنامه في منطقة قرزليه في منطقة الأغوار، قبل سبع سنوات قام الجيش الإسرائيلي بهدم تجمع الرعاة بدعوى عدم حيازتهم تراخيص البناء، على الرغم من أنهم مقيمين في خيم على أراضي فلسطينية ملكية خاصة، مملوكة لسكان قرية عقربا التي تصل حدودها حتى هناك، العائلة تم تهجيرها وسكنت في منطقة اسمها السخنة بالقرب من مستوطنة معاليه افرايم، عاشوا هناك حتى بداية الحرب على قطاع غزة، والتي جعلت حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية غير معترف بها.
مع اندلاع الحرب هجرت العائلة من منطقة السخنة، في البداية كان الجيش يقتحم المنطقة كل ليلة للقيام بعمليات تفتيش، عمليات تفتيش تهدف تحويل حياة السكان لحياة مُرة وإخافتهم، بعدها انضم للجيش المستوطنين في ممارسات إرهابية ضد العائلة، المستوطنون ضيقوا على الرعاة ومنعوهم من الوصول للمراعي وقيدوهم في حدود خيمهم.
بن منّة قال: أحد المستوطنين قام بربط إحدى الأبقار بحبل، وبالتالي حدد المنطقة الممنوع الرعي فيها، وفي كل ليلة يقوم المستوطنون بتخريب خطوط المياه التي توصل المياه من النبع القريب، العائلة بقيت بدون مياه، وقطيع الأغنام بدون مراعي، نتيجة المضايقات والتخويف من الجيش الإسرائيلي ومن المستوطنين في رمضان الماضي قبل عام، قررت العائلة الاستسلام وترك منطقة السخنة.
في شهر آب من العام الماضي انتقلت العائلة لمنطقة الطويل بالقرب من عقربا، وحتى هناك لاحق العائلة مستوطن عنيف واعتدى على ابن الراعي عثمان البالغ من العمر 19 عاماً، وجيرانه موسى وابن أخيه حسن أبناء ال 23 عاماً، وتم اعتقال المعتدى عليهم من قبل الجيش والشرطة الإسرائيلية لمدة أسبوع، ودفع غرامة مالية قيمتها 2000 شيكل، بعدها اضطروا لترك منطقة الطويل الي منطقة تبعد ما بين 5-10 كم عن أقرب مستوطنة.
في المنطقة الجديدة انتظرهم المستوطن كوبي، كوبي قرر إنه مسموح لهم الابتعاد فقط ل 50 متراً من الخيم الخاصة بهم، وانضم الى كوبي المستوطن أبرهام الذي قال:” أنتم لن تبقوا هنا لفترة زمنية طويلة”، بن منّة سأل المستوطن:” لماذا، وبما نحن نزعجكم؟”، أبرهام رد بأن المنطقة تابعة لمستوطنة جيتيت.
وتابع الصحفيان ليفي ولبيك عن ممارسات المستوطنين: قبل عدة أسابيع، ,أيام قبل شهر رمضان حضر المستوطن أبرهام ومعه اثنا عشر مستوطناً ملثماً مدعين أن جراراً سرق من المستوطنة، الشرطة الإسرائيلية عثرت على الجرار في قبلان، لكن المستوطن أبرهام ومعه عصابة من المستوطنين حضروا لمعاقبة عائلة بني منّة، كان هذا في ساعات الليل المتأخرة في 17 أكتوبر، حضر المستوطنون في ثلاث مركبات دفع رباعي، قفزوا منها مثلما تقفز قوات الجيش، وباشروا تحميل رؤوس من القطيع على مركبات الدفع الرباعي.
مستوطنون مسلحون وقفوا على مداخل الخيم التي تسكنها عائلة بن منّة ومنعوا خروجهم للدفاع عن قطيع أغنامهم، وبن منّة نفسه كان ممنوع من الخروج وسمع صوت تحميل رؤوس من قطيعه في مركبات الدفع الرباعي، وحسب أقوله، 47 من الأغنام سرقت في تلك الليلة، انتقاماً على التركتور الذي سرق وعثر عليه في قبلان، وقبل مغادرتهم قال المستوطن أبرهام:” إذا لم تنصرفوا من هنا، سنأتي ونسرق مزيد من الأغنام”.
بن منّة حاول تقديم شكوى ضد المستوطنين، أرسل من محطة شرطة إلى أخرى، وبعد ثلاثة أيام تم فتح ملف، ودون المحقق من الشرطة أن الحديث يدور عن جنحة، ومنذ ذلك التاريخ لم يسمع بن منّة أي شيء من الشرطة، واستأجر خدمات محامي لاستعادة الأغنام التي سرقت، الناطقة باسم الشرطة قالت لهآرتس:” منذ تلفي معلومات عن الحادثة تم فتح تحقيق، وفي إطار التحقيق اتخذت خطوات من أجل الوصول للحقيقة”.
وعن ممارسات الشرطة الإسرائيلية كتبت هآرتس: سرقة الأغنام من قبل المستوطنين، وإلقاء التهم على الرعاة أصحاب الأغنام بات إجراء منتشر في الشرطة الإسرائيلية في منطقة الأغوار، في التاسع من مارس كانت عملية سرقة أغنام في منطقة رأس العوجا من قبل مستوطنين، والغاية كانت دفع الرعاة لترك الموقع عبر المس بمصدر رزقهم، وهذا ما كان مع بن منّة لهذا خوفاً من أن تسرق له مزيد من الأغنام رحل إلى قرية عقربا.
يقول بن منّة، الأسبوع الماضي عندما ترك موقعه الأخير صوره المستوطن أبرهام بهاتفه الجوال قائلاً له إلى أين وجهة الرعاة، قال له بن منّة راحلون من هنا، حينها أرسل المستوطن قبله للسماء شاكراً الله على ذلك، هذا الأسبوع كتب المستوطن اليشوع يارد على منصة إكس:” لا يوجد مثل السماع عن بؤرة استيطانية عربية تركت المكان، وعن جزء من أرض إسرائيل انتقل لليهود، ولكن هل فكرتم كم من الجهد مطلوب لتحقيق ذلك”.
وتابع المستوطن اليشوع ع منصة إكس:” جهود كبيرة ومخاطرة من العائلات ومن شباب المستوطنين الريادين على جبهة المواجهة على جبهة الاستيطان، يوم تلو اليوم في حرب الاستنزاف أمام العدو الذي يمتلك قوة صبر شرق أوسطية، في هذه الحرب ممنوع التوقف ولو للحظة، وممنوع التردد حتى في الأعياد، لا في عيد المساخر ولا في عيد الغفران ولا حتى في أيام العواصف الشتوية، المثابرة هي التي تهزم العدو، بهذه الطريقة هجرت عشرات البؤر العربية في السنة الأخيرة في مناطق مختلفة من الضفة العربية، وبهذا عادت للسيطرة اليهودية مئات آلاف الدونمات في مختلف مناطق الضفة الغربية”.